Abo Jou المديـــر الآدارى
المساهمات : 190 تاريخ التسجيل : 10/10/2008 العمر : 45
| موضوع: قصة الإسلام في مصر..ج5 الثلاثاء أكتوبر 14, 2008 6:28 pm | |
| مصر إمارة عثمانية بعد سقوط دولة المماليك على يد العثمانيين في عام 923هـ= 1517م، بدأت مصر مرحلة جديدة تختلف كل الاختلاف عن المراحل السابقة لها؛ إذ كانت مصر في عهد المماليك دولة مستقلة ذات سيادة، ثم أصبحت إمارة عثمانية تابعة للباب العالي في إسطنبول، وقد مرَّت مصر خلال تلك الفترة ببعض عهود القوة والبروز. تولَّى الخازندار المسبِّح باشا، حكم مصر في عهد السلطان العثماني القوي سليم الثاني الذي تولى مقاليد الخلافة العثمانية ما بين عامي 1566- 1574م= 973- 982هـ، فحكم مصر مدة خمس سنوات وخمسة أشهر ونصف، ووجه اهتمامه خصوصًا إلى إبطال السرقات والتعديات، فكان يقبض على اللصوص، ويقتلهم دون شفقة[1]، فارتاحت البلاد من شرورهم، ثم عكف على إصلاح شئون الرعية، وكان نزيهًا لا يقبل الرشوة ولا الهدية، ومن آثاره مسجد عظيم في ضواحي القرافة لا يزال يُعرف باسمه، وقد بناه على اسم الشيخ "نور الدين القرافي"، وجعله له ولنسله ملكًا حرًّا، وخصص دخلاً معينًا للنفقة عليه، وأمر المسبح باشا أن تستهل الأوامر والكتابات الرسمية والأحكام بهذه العبارة: "الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا وآله وصحبه وسلم، إنَّما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله"؛ لذا فقد استقرت أحوال مصر الداخلية في عهده، وأصبحت إمارة عثمانية قوية[2].
--------------------------------------------------------------------------------
[1] ليس عقاب السارق في الشريعة الإسلامية القتل، بل قطع اليد بعد استيفاء شروط الحد؛ لذا يُعَد هذا التصرف تجاوزًا من الوالي، إلا إذا كان اللصوص يقطعون الطريق ويروعون الناس، فيُعتبر هذا من الحرابة، ويقام عليهم حدُّ الحرابة بالقتل، أو أنه قتل هؤلاء اللصوص تعزيرًا؛ ردعًا للمجرمين لانتشار الجريمة في وقته. [2] جورجي زيدان: مصر العثمانية ص130،131. صحوة إسلامية في بدايات القرن العشرين وفي مطلع القرن العشرين ظهرت مجموعة من القوى السياسية، حاملة جذوة النهضة للأمة المصرية – وإن كانت تحت الاحتلال الإنجليزي - كان الحزب الوطني الذي حمل راية الكفاح ضد الاستعمار، والذي خاض المعارك من أجل التأكيد على القيم الإسلامية كالحجاب؛ إذ دخلت صحيفة اللواء الناطقة باسم الحزب الوطني هذه المعركة ضد قاسم أمين وصحافة حزب الأمة التابع للاستعمار الإنجليزي. وقد كان الحزب الوطني الذي دافع عن القيم الإسلامية ورفض السلوك الغربي وقيمه، سببًا من الأسباب الدافعة لقيام ثورة 1919م= 1337هـ[1]. وصل الحزب الوطني بعد زعيميه مصطفى كامل ومحمد فريد إلى درجة كبيرة من الضعف والتفكك؛ لذا ظهرت حركة الإخوان المسلمين عام 1928م= 1346هـ، وحركة مصر الفتاة عام 1933م= 1351هـ. خاضت حركة الإخوان المسلمين التي أنشأها الإمام حسن البنا معاركها ضد الاستعمار والصهيونية والجهل والتبعية، وكان همها الأكبر الانحياز إلى الفقراء والمستضعفين، وناضلت ضد الاستبداد السياسي، واعتمدت الحركة على أسلوب التربية لبناء الفرد المسلم، والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم، والأمة المسلمة، أمَّا حركة مصر الفتاة التي نشأت على يد مؤسسها الأستاذ أحمد حسين، فإنها ركزت على العمل السياسي المباشر، وناهضت الاستعمار والاستبداد، وانحازت إلى الفقراء ودافعت عن حقوق الشعب، لكنها لم تصل في قوتها وانتشارها على المدى الذي وصلت إليه حركة الإخوان المسلمين[2].
--------------------------------------------------------------------------------
[1] كان نفي سعد زغلول ورفاقه الشعلة التي جعلت المصريين يثورون ضد المحتل الإنجليزي، بعد مماطلته في استقلال مصر بعد الحرب العالمية الثانية التي وقفت فيها مصر بجانب إنجلترا أمام الدولة العثمانية!! [2] محمد مورو: الحركة الإسلامية في مصر من عام 1928 إلى 1993م ص64. فترات التدهور والاضطرابات كما مرَّت مصر الإسلامية على مرِّ عصورها بفترات قوة وازدهار، ألمَّ بها عهود تدهور وانحسار؛ إذ شهدت اضطرابات داخلية، ومجاعاتٍ وأوبئة، ومحاصرات عسكرية واقتصادية، ومنازعات حول السلطة؛ وقد أدَّى كل هذا إلى تبدد قواها، وبؤس أهلها، وضياع منزلتها الحضارية بين الأمم والشعوب، حتى أصبحت في أحايين كثيرة تابعة بعد أن كانت متبوعة، وأصابها الضعف بعد القوة، والجدب بعد الرغد والسعة، ونحن نذكر هذه العهود الضعيفة التي مرَّت بها مصر محاولين أن نستقصيها معلِّلين الأسباب، لنتدارسها متلافين العيوب والمشكلات.
الفتنة تطل برأسها على مصر بدأت الاضطرابات تطل برأسها على مصر منذ عهد قريب لها بالإسلام ففي عهد عثمان ابن عفان t ظهرت بعض الشخصيات التي كان غرضها الكيد للإسلام وهدمه، فأخذت تثير السخط على الخليفة الراشد بين أهل الأمصار، ومنها مصر، من ذلك ما قام به رجل يهودي من اليمن هو عبد الله بن سبأ الذي استقر المقام به في مصر حيث وجد أرضًا خصبة لنشر دعوته، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أخذ عبد الله بن سبأ يدعو لعلي بن أبي طالب t، ويتحدث إلى الناس بأن لكل نبي وصيًّا، وأن عليًّا وصي محمد r. ومهما يكن من أمر ففي شوال سنة 35هـ= 656م جاء إلى المدينة المنورة عرب مصر وجموع من أهل الكوفة والبصرة، وكان المصريون أشدهم نقمة على عثمان t بسبب ما سمعوه وصدَّقوه من ابن سبأ، وكان نتيجة ذلك أنهم قتلوا عثمان بن عفان t، وبذلك هبت ريح الفتنة بين المسلمين[1]. وقد سعى أهل مصر في هذه الفتنة الشنعاء منساقين وراء ادِّعاءات ابن سبأ الباطلة، ولم يحاولوا تمحيصها، ولم يحسنوا الظن برجل من أفضل الصحابة }، ولم يرتدعوا عن سفك دمه >. وكان هذا من سوء تفكيرهم وتدبيرهم.
فترة الضعف الطولوني وبعد سنين طوال من الاستقرار والازدهار، وفي نهاية عصر الدولة الطولونية، وبعد وفاة خمارويه، لم تستطع مصر الاحتفاظ باستقلالها الذي تعب أحمد بن طولون في تحقيق وجوده؛ إذ أصبحت مصر ميدانًا للضعف والفوضى من ناحية، ومسرحًا لأحداث دامية أطاحت بوحدة الطولونيين، وعجَّلت بزوال دولتهم ونفوذهم من ناحية أخرى. وقد حكم مصر بعد وفاة خمارويه ثلاثة من البيت الطولوني لم يزد حكمهم على عشر سنوات، وخلف خمارويه ابنُه (أبو العساكر جيش) 282- 284هـ= 895- 897م، وكان صبيًّا طائشًا منغمسًا في اللهو؛ فأقبل على الشرب، واتخذ من سفلة الناس حاشية له، وخرجت بلاد الشام وما يليها عن طاعته، وانتهى الأمر بخلعه وسجنه وتولية أخيه الأصغر أبي موسى هارون (284- 292هـ= 897- 905م) وكان صغيرًا لم تزد سنّه على الرابعة عشرة من عمره، وفي عهده ظهرت طائفة سياسية شيعية اتخذت الدعوة إلى إمامة إسماعيل بن جعفر الصادق وسيلة لتحقيق أغراضها، وقد أسس أحد قوادهم أبو سعيد الجنابي دولة القرامطة ببلاد البحرين سنة 286هـ= 899م[2].
العبيديون يحولون مصر لدولة شيعية وفي عصر الدولة الإخشيدية كان هناك أحد عصور الضعف؛ فبعد وفاة كافور الإخشيدي في عام 357هـ= 968م، عمَّت الفوضى والاضطرابات معظم أنحاء مصر، وتدهورت أحوالها الاقتصادية، فأصابها القحط والوباء والغلاء الشديد الناجم عن نقص فيضان النيل، وهاجم القرامطة بلاد الشام، وامتد نفوذهم إليها، في الوقت الذي عجزت الخلافة العباسية عن إعادة الأمور إلى نصابها في مصر، فانتهز العُبيديون في بلاد المغرب الفرصة، ودخلوا مصر، وتحولت مصر لدولة شيعية[3]. ومن العوامل التي أضعفت مصر،وأدَّت إلى سوء الأوضاع الداخلية فيها أثناء عصر الدولة العُبَيْدية (الفاطمية)، فساد عقيدة هذه الدولة، وعدائها الشديد للمسلمين في كل مكان، واضطراب أحوالها الاقتصادية التي كانت إحدى جوانبها حدوث المجاعات، ولا سيما التي حدثت سنة 457هـ= 1064م في عهد الخليفة المستنصر بالله، نتيجة لانخفاض النيل، واستمرت سبع سنين متوالية، وهو ما يعرف في التاريخ بالشدة المستنصرية العظمى؛ فقد انعدمت بمصر الأقوات، وارتفعت الأسعار، واشتد بلاؤها على أهل مصر، مما حمل الكثيرين على مغادرتها والرحيل منها. ومن بين تلك العوامل التي أسهمت في إضعاف الدولة العبيدية أنَّ معظم خلفاء العصر الفاطمي الثاني تولوا الخلافة وهم بعدُ أطفال صغار، فعلى سبيل المثال نجح الوزير الأفضل في تولية المستعلي الخلافة؛ لأنه صغير السن يمكن التحكم فيه، ولأنه زوج أخته.
البيت الأيوبي.. فشل وصراع بعد صلاح الدين ثم استطاع صلاح الدين الأيوبي أن يخلِّص مصر وشعبها من مساوئ الحكم الشيعي العُبيدي الذي رزحت مصر تحته منذ قدوم العبيديين، وعاشت مصر أحد أزهى عصور قوتها تحت قيادة صلاح الدين، ولكن بعد وفاة صلاح الدين قُسِّمَت الدولة الأيوبية بين أبنائه وإخوته وأبناء عمومته وأمراء دولته، فأكبر الأبناء - وهو الملك الأفضل نور الدين علي - احتفظ لنفسه بدمشق والساحل وبيت المقدس وبعلبك وصرخد وبصرى وبانياس وهونين وتبنين إلى الداروم قرب حدود مصر، أمَّا الابن الثاني - وهو الملك العزيز عماد الدين عثمان - فكان بمصر وقت وفاة أبيه فاحتفظ بها، على حين أخذ الابن الثالث - وهو الملك الظاهر غياث الدين غازي - حلب وأعمالها، أما إخوة صلاح الدين، فمنهم الملك العزيز سيف الإسلام طغتكين بن أيوب الذي احتفظ باليمن، والملك العادل سيف الدين أبو بكر كان بيده الكرك والشوبك والبلاد الشرقية (الجزيرة وديار بكر). وقد أدَّى ذلك التقسيم إلى إشعال نار الخلافات والعداوة بين الأشقاء؛ مما أذهب قوة الدولة، وأدى في النهاية إلى سقوطها. وهنا نلاحظ أن البيت الأيوبي بعد وفاة صلاح الدين حتى ذهابه على أيدي المماليك، لم يكن تاريخه سوى أحداث النزاع والحروب بين أمرائه، فكل منهم يحاول أن يكسب أرضًا جديدة على حساب أخيه أو أبناء عمومته[4].
| |
|