Abo Jou المديـــر الآدارى
المساهمات : 190 تاريخ التسجيل : 10/10/2008 العمر : 45
| موضوع: فما أنت يا مصر دار المضـارب الأحد أكتوبر 26, 2008 1:59 pm | |
| عندما حدث انهيار البورصة في مصر وعدد من الدول العربية، رأينا ذلك المصري المسكين الذي يظهر دائمًا في النشرات.. يصرخ وقد مزق أزرار قميصه ليقف عاري الجذع ، وهو أداء مصري كلاسيكي للتعبير عن الجزع والإفلاس وإنه لا يبالي بشيء بعد الآن.. وذلك الذي سقط على الأرض والناس يرشون الماء على وجهه نفس الرجل – بعينه – رأيته يصرخ أمام شركة توظيف الأموال المغلقة، ورأيته يصرخ أمام مسرح بني سويف، ورأيته يصرخ بعد زلزال أكتوبر المشئوم، ورأيته يصرخ وهو ينتظر جثة قريبه الغارق مع العبارة أو المحترق في قطار الصعيد إنه المصري الأبدي الذي خدعوه وباعوا دمه وكليته وأطعموه الفراخ الفاسدة والزيتون بالورنيش المصري الذي جعلوه يعبد آمون ثم استبدلوا به آتون ثم أعادوا آمون ثم أقنعوه أن بونابرت مسلم صادق الإيمان
لكني.. في هذه المرة بالذات.. لم أكن قادرًا على التعاطف معه، بينما بكيت معه في مواقف أخرى أنت دخلت سوقًا خطرة غير مستقرة يا صاحبي، وقد أغرتك المكاسب الفاحشة التي جناها الناس في أول فبراير بلا أدنى جهد.. سمعت قصة السيدة التي ربحت مليونًا في يومين.. لقد قامرت وعليك أن تتحمل نتائج المقامرة، فلا تحاول إقناعي أنك من ضحايا العبارة أو قطار الصعيد من فضلك ربما تلاعبت بك الحكومة من أجل بعض الحيتان الكبار.. وما الجديد في هذا ؟.. هل هناك استقرار حقيقي في مصر يسمح بالمخاطرة؟
يقول مصطفى صادق الرافعي في لحظة قرف مرت به في نهاية العمر: فما أنت يا مصر دار الأديب.. وما أنت بالبلد الطيب يمكن استخدام هذا البيت في حالتك مع استبدال كلمة المضارب أو المستثمر بـ: الأديب، برغم أن هذا يكسر الوزن
أمريكا – معقل الرأسمالية - شهدت كسادًا عظيمًا في أواخر العشرينات وهي قصة يعرفها كل من درس الاقتصاد، ولكن لا بأس من أن نتذكرها.. بدأ كل شيء في تلك الجمعة السوداء في أكتوبر عام 1929.. هبوط مروع في الأسهم أحدث دوامات في العالم كله، ووجد بعض الأثرياء أنهم صاروا متسولين يطلبون اللقمة لأولادهم، وقد هبط مؤشر داو جونز في الفترة بين 1929 و1932 من 381 إلى 41.. كان هذا الانهيار بعد فترة ازدهار غير مسبوقة في السوق، وهو نموذج للذعر العام عندما يحل بالمستثمرين مرة واحدة، بحيث يحتاج الأمر إلى علماء نفسيين أكثر منه خبراء اقتصاد إنه عصر الجاز.. النغمة وليس جاز الوابور.. حيث راح الكل يجرب هذه اللعبة الجديدة المسلية: البورصة فقد انتهت الحرب العالمية الأولى وغزت الكهرباء كل شيء واعدة بأنماط استهلاكية جديدة.. كانت هناك عادة شراء السهم على الهامش.. أي أنك تذهب للسمسار ولا تدفع ثمن السهم من جيبك، بل تدفع عشرة في المائة وتقسط الباقي على عدة أشهر.. يرتفع ثمن السهم وبالتالي تسدد ثمنه وتربح خافت الحكومة الفيدرالية من أن تتدخل في العملية حتى لا تحدث ذعرًا عامًا .ومارست سياسة عصر هوفر الشهيرة: دعه يعمل.. دعه يمر.. أي بالعربي: سيبهم في حالهم
لكن خلف الأبواب المغلقة في مؤسسات الاقتصاد كان هناك الكثير من القلق.. كان السماسرة يقترضون كل هذا المال من المصارف.. أضف لهذا تشبع السوق بالكماليات كالثلاجة والسيارة بحيث لم يعد المستهلك بحاجة للمزيد وهذا أدى لبطء الاقتصاد.. بالتالي وقع الانهيار المروع يقول خبراء الاقتصاد إن هذا الهبوط دوري، لكن الولايات المتحدة استطاعت تأجيله في القرن العشرين بفضل الحاسبات الآلية ولأنها تعلمت من دروس الماضي فإذا كان هذا حال أمريكا فماذا عنا نحن حيث لا يوجد أي نوع من التخطيط من أي نوع؟.. كنت أعتقد أن الاقتصاد من أعقد العلوم وأكثرها استغلاقًا على الفهم، ثم وجدت أن المسئولين عن الاقتصاد في بلادنا يرون الرأي ذاته
هذا الشاب المتأنق الذي يلبس القميص قصير الكمين وربطة العنق ويضع البلو توث في أذنه ويعلق الموبايل في حزامه، يمتاز بشيء مهم: إنه لا يفقه شيئًا على الإطلاق في الاقتصاد.. لهذا هو يعمل في البورصة ويحقق كل هذه المكاسب في فيلم وول ستريت الذي أخرجه أوليفر ستون نرى سمسار الأسهم تشارلي شين الطموح الذي وقع فريسة الرغبة في الكسب السريع.. يقترب من القمة جدًا ...ثم ينهار كل شيء.. يعود لأبيه الذي يعمل ميكانيكيًا في مصنع، فيلومه الأب قائلاً: أنت لا تخلق شيئًا.. لا تزرع أشجارًا ولا تصلح آلة ولا تبني بناية ولا تعالج مريضًا.. كل ما تفعله هو بيع كلمات ووعود وأوهام.. حاول أن تجد لك مهنة حقيقية تنفع الناس هذا هو كل شيء.. البورصة سوق بضاعتها الوحيدة الجشع.. من يدخلها يعرف ذلك وعلى من يغادرها أن يعرف ذلك
في هوجة قصة توظيف الأموال التي شغلت التسعينات، بح صوت خبراء الاقتصاد وهم يقنعون الناس إن هذه الشركات نصابة، وإنه لا سبيل لمنح هذه الفوائد العالية إلا بالسحب من رصيد المودع نفسه.. لكن الناس لم تصدق.. أقنعت نفسها أنها تهرب من ربا البنوك إلى حيث البركة واقتصاد.. سيب فلوسك مع الحاج وماتسألش.. وما زالوا مقتنعين حتى اليوم إن التجربة كانت ناجحة إلى حد أن الحكومة قررت تدميرها بعد فترة يتبين أن تلك الشركات كانت تضارب بالذهب.. يتضح أن أحد أصحابها كان يتعاطى المخدرات.. يعترف أشرف السعد في قناة الجزيرة قائلاً: أنا جزء من منظومة الفساد.. كأنه بهذا نال صك الغفران وصار ضحية، وبرغم هذا يصر الناس على أن التجربة كانت ناجحة جدًا وأن الحكومة أفشلتها.. والقصة بعد كل هذا لا علاقة لها بالربا ولا أي شيء سوى الجشع الكثير منه.. خذ نقودك من حيث تعطي فائدة منخفضة إلى حيث تعطي فائدة أكبر، لكن الحاج يطيل لحيته ويلبس الجلباب فلابد أنه رجل مبروك ولابد أن تجارته حلال والأمر في النهاية لا يزيد على ذلك الذي يعطي تحويشة العمر لساحر أفريقي يزعم أنه قادر على مضاعفتها.. هنا يذوب العقل ويتبخر المنطق فلا يبقى إلا حلم الثراء السهل.. ليس لهذا الرجل أن يملأ الدنيا صراخًا عندما يفر الساحر إلى غانا حاملاً تحويشة العمر
أغلق قميصك الممزق يا صاحبي، فالبورصة ليست لعبة، وبفرض أنها كذلك فمصر ليست بالبلد الذي يمكنك أن تلعبها فيه.. البلد الذي تنام فيه وتصحو لتجد أن كل جنيه في جيبك تحول إلى ثلاثين قرشًا، ويختفي الدولار من المصارف ثم يظهر فجأة ويُفصل الموظفون الذين امتنعوا عن صرفه، ثم يختفي من جديد ويفصل الموظفون الذين صرفوه.. هذا البلد ليس أفضل بلد تمارس فيه ألعاب البورصة، فلا تحاول إقناعي بأنك ضحية من فضلك
*******
- د.أحمـد خالـد توفيـق - | |
|